مواصفات البيت المسلم
البيت هو موطن سكن الأسرة واستقرارها، ومكان راحة أفرادها، والملجأ من تعب الحياة وكدها، ولذلك يفضل اختياره -إن تيسر- وفق مواصفات خاصة، لتحقيق السكينة والهدوء والراحة والاستقرار.
واختيار البيت بمواصفات خاصة يعد مشكلة اجتماعية كبيرة في كثير من مجتمعاتنا الإسلامية، وتؤثر في هذه المشكلة عوامل متعددة، منها عوامل اقتصادية، مثل ضيق دخل الزوج أو سعته، ومنها عوامل اجتماعية، وغير ذلك من العوامل النفسية والذوقية والعامة.
ولذلك فإن للبيت المسلم مواصفات يفضَّل مراعاتها كلما أمكن ذلك؛ حتى يكون بيتًا مثاليًّا مريحًا لمن يعيشون فيه، من غير مغالاة ولا سرف، وفي ضوء الممكن والمتاح، مع الرضا برزق الله وما قسمه.
ومن هذه المواصفات :
البيئة الاجتماعية الصالحة: وهي أول ما تضعه الأسرة أمام عينيها وهي تختار بيتها، فإن للبيئة أثرًا كبيرًا ودورًا خطيرًا في سلوكيات أصحابها، وقد قيل في الأمثال: اختر الرفيق قبل الطريق، والجار قبل الدار. لذا يجب ألا يكون البيت في منطقة مشهورة بآفات معينة؛ كتجارة المخدرات وأماكن الفسق والخلاعة؛ حتى لا يتأثر بذلك الأبناء.
وقد قيل: إن قيمة البيت تزداد بانتقاء جيرانه. وقد حكى أن رجلاً كان يسكن بجوار الإمام أبى حنيفة، وأراد أن يبيع بيته، فجاءه رجل ليشتريه منه، فقال صاحب البيت: أبيعك البيت بثمن، وأبيعك جوار أبى حنيفة بثمن آخر.
وإذا كان الجيران مسلمين يعرفون للجيران حقوقهم، ويحبون لهم ما يحبون لأنفسهم، فلن يؤذوا أحدًا، ولن يُلْقُوا بأقذارهم أمام البيت، ولن يحدثوا صخبًا، ولن يفعلوا ما يجرح المشاعر، وإنما يتسامَوْنَ عن الصغائر ويَتعالَوْن عن الدنايا؛ ليكونوا على مستوى إسلامهم وقدر إيمانهم.
والبيت المسلم يراعي جيرانه -أيضًا- ويحفظ لهم حقوقهم، ويتحسس أحوالهم وحاجاتهم، ويعينهم ويرشدهم ويحفظ أعراضهم، وذلك لعظم حق الجار، قال صلى الله عليه وسلم: (مازال جبريل يوصيني بالجار؛ حتى ظننت أنه سيورّثُه).
[متفق عليه].
والبيت المسلم يلتزم بحقوق جيرانه كاملة، كما وضحها رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، حيث روى أنه قال: (أتدرون ما حق الجار؟ إن استعان بك أعنته، وإن استنصرك نصرته، وإن استقرضك أقرضته، وإن افتقر عدت عليه، وإن مرض عدته، وإن مات تبعت جنازته، وإن أصابه خير هنأته، وإن أصابته مصيبة عزيته، ولا تَسْتَعْلِ عليه بالبناء فتحجب عنه الريح إلا بإذنه، وإن اشتريت فاكهة فأهدِ له، فإن لم تفعل فأدخلها سرًّا، ولا يخرج بها ولدك ليغيظ بها ولده، ولا تؤذه بقتار قِدْرِك (رائحة طعامك) إلا أن تغرف له منه، ثم قال: أتدرون ما حق الجار؟ والذي نفسي بيده، لا يبلغ حقَّ الجار إلا من رحمه الله) [البزار].
الموقع: وهو من أهم الأمور التي تجعل البيت مثاليًّا، ويحسن أن يتوافر في موقع البيت عدة أمور، منها :
توافر الخدمات ومتطلبات المعيشة -ما أمكن ذلك- كالكهرباء، والصرف الصحي، والمياه الصحية، ويحسن أن يكون قريبًا من عمل الزوج ومدارس الأبناء وأسواق الخدمات المختلفة، ففي ذلك تيسير لحركة الحياة واختصار للجهد والوقت، أن يكون البيت في منطقة هادئة -إذا تيسر ذلك- بعيدًا عن الشوارع الرئيسية والميادين العامة، فكلما تحقق ذلك؛ تمتع أهل البيت بسكن هادئ وراحة نفسية.
الناحية الصحية: وذلك يتحقق بوجود الإضاءة الكافية والهواء النقي في موقع البيت، وأن يكون بعيدًا عن المستنقعات والبرك وأماكن تجمُّع المهملات، وهناك بعض الحالات الخاصة التي تُراعَى عند اختيار السكن، فإذا كان في الأسرة مريض بالقلب أو بشلل الأطفال مثلا يجب أن يكون السكن في طابق غير مرتفع، خاصة إذا لم يوجد مصعد كهربى، كذلك يستحب ألا يكون المسكن في الأماكن الصناعية الملوثة بالأتربة والدخان.
المساحة: مهما كانت مساحة البيت المسلم صغيرة، فإن المرأة يمكنها أن تستثمر هذه المساحة لتحقيق الراحة والسكينة لأفراد البيت. فالبيت الواسع الفسيح غير المنظم بيت لا راحة فيه، والبيت الضيق الصغير مع حسن الترتيب وجودة استعمال مرافقه بيت ملؤه الراحة والسعادة، ولا شك أن كل إنسان يتمنى أن يعيش في سكن فسيح رحب، فالمسكن الواسع من الأمور التي تسعد الأسرة وتريحها نفسيًّا وصحيًّا، وقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم يدعو، فيقول: (اللهم وسِّع لي في دارى) [أحمد].
واتساع المكان يمنح الفرصة الكافية لتنظيمه، وترتيب أثاثه بشكل أفضل ومتجدد دائمًا؛ حيث يمكن التغيير بين قِطَع الأثاث داخل الحجرة الواحدة والتبديل بين الحجرات، ولا شك أن التغيير في البيت يعطي إحساسًا بالتجديد، ويساعد على التخلص من الرتابة والملل اللذين قد ينتابان الإنسان من وقت لآخر.
كما أن اتساع المكان -إن تيسر- يعطي الفرصة لتخصيص حجرة لاستقبال الضيوف؛ مما يساعد على توفير الراحة لهم، وحسن استقبالهم، ويكفل الراحة لأهل البيت وعدم التضييق عليهم، ويعطي الفرصة لتخصيص حجرة للأطفال فتحقق الراحة لهم، وتكون مكانًا لمذاكرتهم ولعبهم.
والمساحة المتسعة تساعد على أن تُلحَق بالبيت حديقة تحيط بجوانبه، تكون مكانًا لِلَعِبِ الأطفال ومرحهم، وتعطيهم الفرصة للاهتمام بالزرع والعناية به
وتنسيقه، وكذلك فإن وجود البيت في شارع واسع ونظيف يعطي فرصة أفضل للتهوية والإضاءة الجيدة، وتكون المسافة بينه وبين البيوت المجاورة مناسبة؛ فلا تنكشف عورات البيت.
وقد لا تسمح الظروف بتوافر السعة في البيت، وهذا لا يعد عذرًا في ألا يكون البيت جميلا مريحًا، فالتنسيق الجيد يجعلنا نتغلب على مشكلة ضيق البيت، وقد يكون البيت واسعًا لكنه إذا كان مضطربًا وغير منظف أو غير منظم بدا ضيقًا مزعجًا.
وهناك عدة وسائل تساعد على الإحساس بالاتساع والتغلب على عيوب ضيق المكان، ومنها:
-ارتفاع جدران البيت .
-طلاء السقف بلون فاتح إذا كان منخفضًا، وطلاء الحوائط بألوان فاتحة.
-تزيين الجدران بصور طبيعية للبحار أو الأشجار، واستخدام المرايا في بعض الطرقات أو الأماكن؛ لتعطي إحساسًا بالاتساع .
-استخدام ورق حائط خطوطُه أفقية إذا كانت الحجرة ضيقة، وورقٍ خطوطُه رأسية إذا كان السقف منخفضًا .
-تقليل عدد الحواجز الثابتة، مثل الحوائط، واستبدالها بحواجز متحركة، مثل الستائر أو الحواجز الخشبية) البرفانات) التي يمكن تحريكها عند الحاجة أو استقبال عدد كبير من الضيوف، أو ما شابه ذلك.
-استعمال بعض قطع الأثاث لأكثر من غرض .
-استخدام أثاثات ذات أحجام مناسبة لمساحة البيت، وعدم الإكثار من الأثاثات في البيت الضيق .
التهوية: التهوية الجيدة في البيت من الأمور المهمة التي تجعل منه بيتًا
صحيًّا، ويمكن أن تتحقق التهوية الجيدة عن طريق وجود عدد مناسب من النوافذ تسمح بدخول الهواء وتجدده يوميًّا؛ مما يساعد في القضاء على الميكروبات والحشرات والروائح الكريهة.
لذلك يجب فتح النوافذ مع مراعاة التوقيت المناسب، فإذا كان البيت يقع في منطقة صناعية فلا تفتح النوافذ وقت عمل المصانع، لتجنُّب العوادم التي تُسبِّب الأضرار الصحية.
والمطبخ أكثر أركان البيت احتياجًا إلى التهوية الدائمة؛ حيث إن وجود المواقد يعمل على تصاعد الأبخرة الساخنة ورائحة الطعام، وقد تؤثر الأبخرة على نظافة الجدران وتغيُّر رائحة البيت، ويمكن التغلب على ذلك باستخدام أجهزة طرد الهواء الكهربائية (الشفاطات) كما يجب الاهتمام بتهوية الحمَّام؛ للتخلص من الروائح غير الطيبة، ومن الميكروبات.
التشميس: هناك حكمة تقول: البيت الذي تدخله الشمس لا يدخله الطبيب؛ لأن أشعة الشمس تعمل على تطهير البيت، ومده بالدفء اللازم في الشتاء؛ لذا يجب مراعاة الأوقات التي يتعرض فيها البيت إلى أشعة الشمس حتى يمكن الاستفادة منها؛ فإذا كان البيت في بيئة صحراوية حارة فيجب عدم السماح للشمس بدخوله بصورة مستمرة، خاصة إذا كانت الشمس عمودية عليه؛ حتى لا تجعله حارًّا. أما إذا كان البيت في بيئة ساحلية باردة فيراعى أن يكون توافر الشمس فيه لأكبر وقت ممكن؛ حتى تمنحه الدفء وتقلل من برودته.
بيت السعادة
قال تعالى: {والله جعل لكم من بيوتكم سكنًا} [النحل: 80] . نعم، صدقت يا ربنا، فالبيت سكن واستقرار، وراحة واطمئنان، وأمان وسكينة؛ فيه نعيش، وبه نحتمي من حر الصيف وبرد الشتاء، وهو مأوانا بعد دأب النهار وتعبه.
وإذا كان عش العصفور الصغير هو مأواه وسكنه ومقر طمأنينته، فأولى بالإنسان أن يكون بيته مقر سعادته ومصدر سروره. والبيت ليس مجرد جدران وأثاث ومفروشات، بل هو المحراب والمعهد، ومكان الأنس والراحة، يعمره الزوجان بالمحبة والمودة، وتظلله السكينة والهدوء والاستقرار.
وفي البيت المسلم يتعانق السكن المادي الحسي بالسكن الروحي النفسي، فتتكامل صورته وتتوازن أركانه، فكما جعل اللَّه البيوت سكنًا لكل زوجين، فقد جعل الزوج سكنًا لزوجته، والزوجة سكنًا لزوجها، قال تعالى: {ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجًا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون} [الروم : 21]. وهكذا يكون الزواج سكنًا، وتكون البيوت سكنًا، نعمةً من اللَّه، وجب شكرها وصونها والحفاظ عليها.
وقد يتساءل بعضنا: لماذا البيت المسلم؟ وهل هناك فرق بين بيت مسلم وبيت غير مسلم؟
لا شك في أن البيت المسلم يختلف عن غيره، فأهله يحملون في صدورهم عقيدة جليلة، تملأ قلوبهم بنور الإيمان، وتَظْهَرُ ظلالُها في كل جوانب حياتهم، فالمسلم يجب أن يكون قرآنًا يمشي بين الناس، كما كان خلق رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، لذا فإن بيته يجب أن تنطق أركانه وأثاثاته وطريقة تنظيمه
بإسلام صاحبه.
وقد يكون البيت المسلم كوخًا متواضعًا، وقد يكون قصرًا مشيدًا، وفي هذا وذاك تجد الرضا والشكر والقناعة، والعيش في ظلال القرآن الكريم والسنة الشريفة، فسعادة أهل أي بيت ليست بكثرة الأثاث ولا بغلاء المفروشات، وإنما سعادتهم نابعة من قلوبهم المؤمنة ونفوسهم المطمئنة ، ذلك لأنهم رضوا بالله ربًّا، وبالإسلام دينًا، وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيًّا ورسولاً.
وقد كانت بيوت النبي صلى الله عليه وسلم نموذجًا للبيت الإسلامي، وعلى الرغم من صغر حجمها، وتواضع بنائها، فإنها امتلأت بالسعادة والهناء، وظلت المثل الأعلى لبيوت الصحابة -رضوان الله عليهم- ولكل من أراد أن يقيم لنفسه بيتًا من المسلمين بعد ذلك.
ولقد قامت بيوت النبي صلى الله عليه وسلم على طاعة الله ورضاه، فكانت الصورة المثلى للبيت الإسلامي الحقيقي، قال تعالى: {أفمن أسس بنيانه على تقوى من الله ورضوان خير أم من أسس بنيانه على شفا جرف هار فانهار به في نار جهنم والله لا يهدي القوم الظالمين}_[التوبة: 109].
وكانت بيوته صلى الله عليه وسلم متواضعة على قدر حاجته، بسيطة على قدر معيشته، إلا أنها ملئت سعادة، وتمثل فيها رضا أهلها بقَدر الله ورزقه، وإيمانهم بقوله صلى الله عليه وسلم: (من أصبح منكم آمنًا في سربه، معافى في جسده، عنده قوت يومه، فكأنما حيزت له الدنيا) [الترمذي وابن ماجه].
وارتبطت بيوته صلى الله عليه وسلم بالعبادة والطاعة لله، وتمثل فيها التواضع والبساطة والزهد في متاع الحياة الدنيا، فقد كانت بيوته صلى الله عليه وسلم كلها حول المسجد، بعضها من جريد مُغَطى بالطين، وبعضها من حجارة مرصوصة بعضها فوق بعض، مُسقَّفة بجريد النخل.
وكان بيت أم المؤمنين عائشة -أحب أمهات المؤمنين إلى النبي صلى الله عليه وسلم بعد خديجة- حجرة واحدة من اللَّبِن (الطوب النيِّئ) والطين، مُلحَقًا بها حجرة من جريد مستورة بمسوح الشعر (جمع مسح: وهو كساء من الشعر)، وكان بمصراع واحد من خشب، وسقفه منخفض كسائر بيوت النبي صلى الله عليه وسلم، وكان أثاثه بسيطًا: سرير من خشبات مشدودة بحبال من ليف، عليه وسادة من جلد حشوها ليف، وقربة للماء، وآنية من فخار لطعامه ووضوئه صلى الله عليه وسلم.
وارتسمت البساطة والقناعة -أيضًا- في بيوت أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد كان جهاز ابنته فاطمة وهي تزف إلى علي بن أبى طالب -رضي الله عنه- خميلة (ثوب من قطيفة)، ووسادة من أدم (جلد) حشوها ليف، ورحا، وسقاء، وجرتين.. ذلك هو جهاز سيدة نساء أهل الجنة وكريمة سيد الأنبياء، ومن هذا نعلم أن بيوت النبى صلى الله عليه وسلم وأصحابه كانت نموذجًا للبيت الإسلامي.
وإن كانت حال بيوت النبى صلى الله عليه وسلم وأصحابه كما ذكرنا، فلا يعني هذا أن الإسلام يحول بين أن ينعم الإنسان ببيت رحب جميل، بل يرى الإسلام أن هذا رزق من الله للإنسان ونعمة منه وفضل، فالله تعالى يقول: {قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق} [الأعراف: 32].
ولقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (أربع من السعادة: المرأة الصالحة، والمسكن الواسع، والجار الصالح، والمركب الهنيء)_[الحاكم]. وعلى الإنسان أن يحسن استغلال هذا النعيم؛ لأنه سيُسأل عنه يوم القيامة، قال تعالى: {ثم لتسألن يومئذ عن النعيم} _[التكاثر: 8].
والأسرة المسلمة شأنها شأن غيرها من البشر، تميل إلى أن يكون بيتها من خير البيوت سعة وجمالاً، ومملوءًا بالنعم والخيرات، قال تعالى: {زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث ذلك متاع الحياة الدنيا والله عنده حسن المآب}.
[آل عمران: 14].
والأسرة المسلمة تعلم أن السعادة الحقيقية في أن تجعل من بيتها -صغر أو كبر- جنة عامرة بالإيمان، هانئة بالقناعة، ترفرف عليها الطمأنينة والسكينة، ويتنسَّم أفرادها الأدب الرفيع والسلوك القويم، وهي في كل أحوالها تدرك أن ما هي فيه نعمة من نعم الله التي تستوجب الشكر، فشكر النعمة ينميها ويزكيها ويزيدها، قال تعالى: {لئن شكرتم لأزيدنكم} [إبراهيم: 7].
والأسرة المسلمة لا تتخذ من نعم الله عليها مجالا للكبر والتعالي على الآخرين، بل تُظْهر فضل الله عليها ونعمه؛ استجابة لقوله تعالى: {وأما بنعمة ربك فحدث} [الضحى: 11]، وعملاً بقوله صلى الله عليه وسلم: (ن الله يحب أن يرى أثر نعمته على عبده) _[الترمذي والحاكم].
وعلى الأسرة المسلمة ألا تنشغل بنعيم الدنيا عن طاعة الله، وألا يكون بيتها في الدنيا هو همها الأكبر، الذي يحول بينها وبين العمل لبيتها في الجنة -إن شاء الله-، وفي ذلك يقول الشاعر :
لا دارَ للمرء بعد الموت يسكنها
إلا التي كـان قبل الموت يبنيها
فإن بناها بخـير طاب مسكنه
وإن بنـاها بشر خـــاب بانيهــا
ولقد مر الإمام علي بن أبى طالب -رضي الله عنه- على رجل يبني بيتًا، فقال له:
قد كنت ميتًا فصرت حيـًّا وعن قليل تصير ميـــتا
تبني لدار الفناء بيتــــًا فابنِ لدار البقاء بـــيتا
فهنيئًا للأسرة المسلمة إذا جعلت الدنيا في يدها لا في قلبها، وهنيئًا لها إذا وظَّفت كل ما حولها توظيفًا صحيحًا، وجعلته مُعينًا لها على طاعة الله -عز وجل- فهي تعمل بالحكمة القائلة: (عمل لدنياك كأنك تعيش أبدًا، واعمل لآخرتك كأنك تموت غدًا)_[ابن المبارك].
والحديث عن البيت المسلم ومكوناته وأثاثه، وغير ذلك، لا يعنى -بالضرورة- أن تجتمع هذه الصفات في كل بيت مسلم، ولكنها صورة مُثْلَى نسأل
الله -سبحانه- أن يحققها لكل مسلم على ظهر هذه الأرض.
وجوهر الأمر ليس في جدران البيت وأثاثه بقدر ما هو فيمن يسكنون هذا البيت، وعلى هذا، فكل فرد من أفراد الأسرة يستطيع أن يحقق السعادة والهناء لأهل بيته بأقل شيء عنده، والمؤمن كيِّس فَطِنٌ، وكما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها، وتمنَّى على الله الأماني)._[أحمد والترمذي وابن ماجه].